قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر ! إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تتأمرن على اثنين ، ولا تولين
مال يتيم . ( صحيح مسلم )
وفي لفظ : " يا أبا ذر ! إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها و أدى الذي عليه فيها " .
قوله : " إني أراك ضعيفا " أو " إنك ضعيف " .
الضعيف هو الذي لا حول له ولا قوة سواء كان الضعف بسبب بدني ، وقد قيل إن أبا ذر كان ضعيف البدن ، أو كان ضعفه بسبب
ضعف قبيلته غفار .
وذهب آخرون أن الضعف المراد هو ضعف في الرأي بسبب اجتهاداته رضي الله عنه ، قال الحافظ الذهبي : وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم لأبي ذر ، مع قوة أبي ذر في بدنه وشجاعته : " يا أبا ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ولا
تولين مال يتيم " .
ثم قال : فهذا محمول على ضعف الرأي ، فإنه لو ولى مال يتيم لأنفقه كله في سبيل الخير ، و لترك اليتيم فقيرا ، فقد ذكرنا أنه كان لا
يستجيز ادخار النقدين ، والذي يتأمر على الناس ، يريد أن يكون فيه حلم ومداراة ، أبو ذر - رضي الله عنه - كانت فيه حدة - كما ذكرنا
فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبينا بعدا آخر لنهي النبي صلى الله عليه وسلم ، أبا ذر عن طلب الإمارة فقال : وأما كون أبي ذر من
أصدق الناس ، فذاك لا يوجب أنه أفضل من غيره ، بل كان أبو ذر مؤمنا ضعيفا كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و
سلم ، أنه قال له : " يا أبا ذر إني أراك ضعيفا " .. وذكر الحديث ثم قال : وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال " المؤمن القوي خير
وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " صحيح مسلم .
و أهل الشورى مؤمنون أقوياء ، وأبو ذر و أمثاله مؤمنون ضعفاء ، فالمؤمنون الصالحون لخلافة النبوة كعثمان وعلي و عبد الرحمن
بن عوف ، أفضل من أبي ذر و أمثاله .
قلت ليس مراد الإمامين الجليلين ابن تيمية و الذهبي - رحمهما الله - أن أبا ذر - رضي الله عنه - كان ضعيفا من كل وجه ، لأنه رضي
الله عنه كما ذكرنا في سيرته كان قويا في كثير من الأمور ، فقد كان شجاعا صبورا زاهدا مجاهدا صادق اللهجة ، لا يخشي في الله
لومة لائم ، وكل هذه الصفات من صفات القوة و الكمال البشري .
أما ضعفه - رضي الله عنه - فقد كان من الوجه الذي لا يصلح معه تحمل مسئولية الإمارة ، ولذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم
بالنأي عنها و عدم سؤالها .
قال النووي رحمه الله ، في شرح هذا الحديث " هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام
بوظائف تلك الولاية " و أما الخزي و الندامة " فهو في حق من لم يكن أهلا لها ، أو كان أهلا ولم يعدل فيها ، فيخزيه الله تعالى يوم
القيامة و يفضحه و يندم على ما فرط .
و أما من كان أهلا للولاية و عدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث : " سبعة يظلهم الله " .
والحديث المذكور هنا عقب هذا أن " المقسطين على منابر من نور " صحيح مسلم ، و غير ذلك ، وإجماع المسلمين منعقد عليه ، ومع
ذلك فلكثرة الخطر فيها حذره ، صلى الله عليه وسلم منها ، وكذا حذر العلماء ، وامتنع عنها خلائق من السلف و صبروا على الأذى
حين امتنعوا .
إلهى !! نسألك أن تنزع محبة الدنيا من قلوبنا ، و أن تجعل مكان ذلك إيمانا و يقينا .. آمين .