الوصايا السبعة من النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم ، بسبع :
1- أمرني بحب المساكين و الدنو منهم .
2- وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ، ولا أنظر إلى من هو فوقي .
3- و أمرني أن لا أسأل أحدا شيئا .
4- و أمرني أن أقول الحق ولو كان مرا .
5- و أمرني أن أصل الرحم و إن أدبرت .
6- و أمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم .
7- و أمرني أن أكثر من : لا حول و لا قوة إلا بالله ، فإنهن من كنز تحت العرش
أخرجه أحمد ، و ابن حبان و البيهقي في السنن و أبو نعيم في الحلية و صححه الأرناؤوط في تخريجه لإبن حبان .
شرح الحديث
1- قوله : " أمرني بحب المساكين و الدنو منهم " وهذا يقتضي الإحسان إليهم وبذل المعروف لهم ومواساتهم و تفقدهم و السؤال عنهم
وقد عاش أبو ذر رضي الله عنه عيشة المساكين ، ولبس ثيابهم ، و أكل طعامهم ، و رأى في ذلك تطبيقا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم ، بحبهم و الدنو منهم ، فغاية الحب أن يتشبه المحب بمحبوبه في أمره كله .
2- قوله " وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ، ولا أنظر إلى من هو فوقي " لأن المرء إذا نظر إلى من هو فوقه في حيازة الدنيا و مفاتنها احتقر نعم الله عليه و تطلعت نفسه إلى هذا الحطام الفاني ، و انشغل بالفكر في تحصيل الدنيا ، ثم لا يلبث أن يدخل إليها من أبوابها المحرمة ، فيخسر دينه و آخرته و لن يجني من دنياه إلا ما كتب له منها ، و في الأثر الإلهي : " عبدي ! تفرغ لعبادتي ، وأملأ قلبك غنى و أسد فقرك ، و إن لم تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك !! ( أخرجه ابن شيبة في المصنف موقفا على أبي هريرة ) .
و أبو ذر رضي الله عنه كان من أشد الناس تطبيقا لهذه الوصية النبوية العظيمة ، فلم تتطلع نفسه إلى الدنيا ، لأنه كان يقهرها دائما بالمجاهدات و الرياضات ، حتى صارت طوع يمينه ، بل إنه أبى أن يزاد في أعطياته على ما كان عليه الحال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه رأى في ذلك قطعا لاستشراف نفسه ومطالعاتها إلى ما يفنى .
3- قوله " وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا " فالنفوس الأبية ترى في سؤال غير الله ذلة ومهانة ، فالله عز وجل يقول : " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه " سورة الطلاق .
فمن كان الله حسبه فهو كافيه ومغنيه من ذل المسألة .
وعن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يتقبل لي بواحدة ، أتقبل له بالجنة ؟ "
قلت : أنا .
قال : " لا تسأل الناس شيئا " .
فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب ، فلا يقول لأحد ناولنيه ، حتى ينزل فيأخذه
4- قوله " وأمرني أن أصل الرحم و إن أدبرت " .
لأن في ذلك إبقاء لعلاقات الود و الرحمة بين ذوي القربي ، وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إن لي قرابة أصلهم و يقطعوني ، و أحسن إليهم و يسيئون إليً ، و أحلم عنهم و يجهلون علي ً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لئن كنت كما قلت ، فكأنهما تسفهم المل ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك " أخرجه مسلم .
قال الإمام النووي : و المل : بفتح الميم وتشديد اللام وهو الرماد الحار : أي كأنما تطعمهم الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم ، لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه ، و إدخالهم الأذى عليه .
وهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قدمت عليها أمها وهي مشركة ، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه في وصلها ، فقالت : يا رسول الله ! قدمت عليً أمي وهي راغبة ، أفأصل أمي ؟ فقال الرحمة المهداة : " نعم صلي أمك " صحيح البخاري و مسلم .
ومعنى " وهي راغبة " أي في شيء تأخذه وهي على شركها .
قال الخطابي : و فيه أن الرحم الكافرة توصل من المال و نحوه كما توصل المسلمة .
5- قوله " و أمرني أن أقول الحق و لو كان مرا " ، لأن الله عز وجل أخذ العهد على أهل العلم بذلك فقال تعالى : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون " سورة آل عمران .
وقال الله تعالى : " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " سورة الكهف .
فهؤلاء هم العلماء الربانيون الذين يوقظون الأمة بثباتهم وقوتهم وقت المحن و الشدائد ، كما فعل الإمام أحمد بن حنبل ، و عز الدين بن عبد السلام ، وشيخ الإسلام ابن تيمية و غيرهم .
ولقد قام أبو ذر - رضي الله عنه - بما عليه في هذا الجانب فكان رضي الله عنه يقول : " مازال لي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، حتى ما ترك لي الحق صديقا " .
6- قوله : " و أمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم " فهو إذا قال الحق ، و أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر ، فلابد أن يبتلى في دينه أو نفسه أو ماله أو عرضه ، فالإبتلاء هو الذي يبين معادن الرجال ، لا ما يصدر عنهم من آراء و أقوال ، وفي وصية لقمان لابنه : " وأمر بالمعروف وانه عن المنكر و اصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " سورة لقمان .
وقال الله تعالى : " الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل " سورة آل عمران .
فهم و إن كانوا يملكون مقادير الدنيا و أسبابها ، إلا أنهم في نهاية الأمر " ناس " إنهم بشر ، فقير ، ضعيف ، حقير ، ذليل ، يأكل ، ويشرب ، وينام ، ويبول ، ويتغوط ، ( فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) لانهم من أهل الإيمان و اليقين فكانت العاقبة ( فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء ) سورة آل عمران .
7- قوله : " وأمرني أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله " فالداعية إذا قام بما سبق كله فإنه يحتاج إلى زاد يهون عليه مشقة السفر ووعرة الطريق ، ويجعل هذه الأشواك المغروسة في طريقه وردا ورياحين .
والإكثار من كلمة " لا حول ولا قوة إلا بالله " له تأثير عجيب في تفريج الكروب و احتمال المصاعب و المشاق ، وكذلك فهي تذهب اليأس و الخوف من القلوب وتجعل مكان ذلك سكينة و طمأنينة تزداد كلما أكثر المرء من هذه الكلمة التي هي كنز تحت عش الله عز وجل .
اللهم آت نفوسنا تقواها و زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها و مولاها .