دعوة المظلوم ليس بينها و بين الله حجاب
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاذا رضي الله عنه ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها و بين الله حجاب " رواه مسلم .
راوي الحديث : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ، حبر الأمة و ترجمان القرآن ، أسلم صغيرا ولازم النبي صلى الله عليه وسلم كان الخلفاء يجلونه ، وكف بصره في آخر عمره ، كان يجلس للعلم فيجعل يوما للفقه ، ويوما للتأويل و يوما للمغازي ، ويوما للشعر ، ويوما لوقائع العرب ، توفى بالطائف في عام 68 هــ
مفردات الحديث :
كرائم أموالهم : الكرائم جمع كريمة ، وهي جامعة الكمال ، من غزارة لبن و جمال صورة وكثرة لحم أو صوف
فإنه ليس بينها و بين الله حجاب : أي إنها مسموعة لا ترد
وهذا التحذير من دعوة المظلوم في هذا السياق على وجه الخصوص ، لأنه سيتعرض لأموالهم ، فليحذر الظلم في ذلك ، فالمال من أغلى مملوكات الإنسان
شرح الحديث :
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن في السنة العاشرة من الهجرة ، وكانوا أهل كتاب ، فأخبره بحالهم لكي يكون مستعدا لهم ، ولينزلهم منزلتهم ، فيجادلهم بالتي هي أحسن
ثم وجهه عليه الصلاة و السلام إلى اول ما يدعوهم إليه وهو التوحيد و الرسالة فلا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى فهم المستحق للعبادة ، وماعداه فلا يستحق العبادة بل عبادته باطلة
و أن الله تبارك و تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الإنس و الجن وختم به الرسالات فمن لم يؤمن به فإنه من أهل النار ، فإن شهدوا بذلك فيعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا فيعلمهم أن الله افترض عليهم الزكاة ، تؤخذ من الغني و ترد في الفقير ، على ألا يأخذ من أموالهم النفيس الطيب ، ولكن المتوسط ، و أن الواجب عليه أن يتقي دعوة المظلوم لكونها قريبة من الله تعالى ، ترفع إليه بدون حجب
فوائد الحديث
1- الكتاب و السنة نزلا ليحكما بين الناس فيما اختلفوا فيه ، و الأحكام الشرعية واجبة التطبيق في كل عصر و مصر .
2- وجوب بعث الدعاة إلى الله من قبل ولي أمر المسلمين في كل مكان يحتاج إلى الدعوة و هذا دأب النبي صلى الله عليه وسلم وهديه أن يبعث الرسل يدعون إلى الله عز وجل .
3- أنه ينبغي أن يذكر للداعية حال المدعوين حتى يتأهب لهم علما و خلقا ولئلا يوردوا عليه من الشبهات ما ينقطع به .
4- أن أهم شيء بعد الشهادتين هو الصلاة و أن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة ثم الزكاة ثم بقية فروض الإسلام .
5- الصحيح أن الزكاة واجبة في المال ، لقوله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة " سورة التوبة ، وقال في هذا الحديث : " أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم " لكن لها تعلق بالذمة ، بمعنى أنها إذا وجبت وفرط الإنسان فيها ، فإنه يضمنها .
6- أن الزكاة لا تجب على الفقير ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم " ، ولا تعطى للغني .
7- أنه يجوز الإقتصار في إخراج الزكاة على صنف واحد من الثمانية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " فترد في فقرائهم " .
8- سميت الزكاة صدقة ، لأن بذل المال دليل على صدق بذله ، فإن المال محبوب إلى النفوس ، و الإنسان لا يبذل المحبوب إلا لما هو أحب منه ، فإذا بذل المال مع حبه له ، دل ذلك على أنه يحب ما عند الله أكثر من حبه لماله .
9- تحريم الظلم أن الإمام ينبغي أن يعظ ولاته و يأمرهم بتقوى الله تعالى ، ويبالغ في نهيهم عن الظلم و يعرفهم قبح عاقبته .
10- أنه لا يجوز للساعي على الزكاة أن يأخذ أكثر من الواجب و أنه يحرم عليه أخذ كرائم المال في أداء الزكاة بل بأخذ الوسط .
11- دعوة المظلوم مستجابة ، وأنه يجب على الإنسان أن يتقي الظلم و يخاف من دعوة المظلوم .